لماذا لم يُلاحقْ «النائب السابق» من قَبْـل؟
علي محسن الورقاء
تساءل الكثير منا من قَبْل؛ لماذا لم يُلاحق «النائب السابق» وأمثاله بجرم الازدراء والإهانة لطائفة معتبرة من المواطنين، والتعدي على ملة معترف بها وتحقير شعائرها رغم أن هذا الفعل كان متكرراً وثابتاً يسيء إلى المقدسات ويتنافى مع المبادئ والقيم الإنسانية والأخلاق الاجتماعية وتعاليم الدين الإسلامي. وكان الخطاب يتسم بالمقت والإفك والبهتان والعصبية المذهبية، ويحمل دليلاً على قلة الوعي والإسراف في البغض والكراهية وانعدام المسئولية، هذا فضلاً عن مخالفته القانون.
ذلك لأن القانون كان يمنع الازدراء بأية طائفة من الناس أو التحريض على بغضها، وقرّر معاقبة من يرتكب هذا الفعل بعقوبة الحبس والغرامة بمقتضى حكم المادة (172) من قانون العقوبات، كما كان يمنع التعدي على أية ملة معترف بها أو تحقير شعائرها، وقرّر معاقبة من يرتكب هذا الفعل بعقوبة الحبس أو بالغرامة، بمقتضى حكم المادة (309) من القانون المذكور، بيد أننا لم نجد للأسف آنذاك أذناً صاغية أو قلماً منصفاً تمنعه وتمنع أمثاله.
واليوم وبعد أن تقرّر ملاحقة الرجل المذكور بالجرم المذكور، يسأل البعض من جديد: لماذا لم يُلاحق هذا الرجل من قَبْل بجرمه ذاك؟
والجواب على هذا السؤال معلومٌ للجميع وهو؛ لأن هذا الرجل كان متحصناً بالحصانة البرلمانية من جهة، ولأن لهذا الرجل فئةً قبلت وتقبلت ذلك الجرم وارتضته ودافعت عنه تحت قبة البرلمان، ما ترتب على ذلك منع إسقاط حصانته البرلمانية والحيلولة دون ملاحقته جنائياً آنذاك. ولأن السلطة ـ من جهة أخرى ـ قد سكتت وغضت الطرف عنه حينذاك ولم تُسهم في إيقافه. وأنه ما أن انتهت عضويته في البرلمان ولم تعد له حصانة بعد ذلك، تقرّر تحريك دعوى قضائية ضده.
لكن السؤال الأهم هو: هل أن الحصانة البرلمانية في هذا البلد هي فوق المقدسات والمبادئ والقيم والأخلاق والقانون؟
فإن كان الجواب بـ «نعم»؛ فهذا يعني أننا أمةٌ غير راشدة، قد سادها الجهل وغشَّاها الضلال، إذ يكفي للدلالة على عدم رشدها وجهلها وضلالها أنها غلَّبت ما هو أضعف على ما هو أعظم، وليس هناك أعظم من المقدسات والمبادئ والقيم والأخلاق.
وإن كان الجواب بـ «لا»؛ فيحق لنا أن نعيد السؤال مرة أخرى: لماذا لم يُلاحق هذا الرجل من قَبْل بفعل هو مُجرّم قانوناً، ولم يكن من الجائز السكوت عنه للحظة، بحسبنا أنه فعلٌ قبيح وجرمٌ شنيع، ليس لأنه كان يتعارض مع المقدسات والمبادئ والقيم الإنسانية ويمس مكارم الأخلاق وحسب، أو كان مخالفاً للقانون، إنما لأنه كان يمسّ أركان الدولة لكونه يُوهِن الأمن والسلم الاجتماعي وينخر جسد الأمة ويمزّقه.
وأياً ما كانت الأسباب والمبررات، فإننا نأمل من أعضاء البرلمان الحالي أن يضعوا في اعتبارهم أن المقدسات والمبادئ والقيم والأخلاق هي فوق الحصانة البرلمانية، ذلك لأنه إذا ما قُوضت المبادئ والقيم والأخلاق وأهينت المقدسات في أي مجتمع أو أمة، فلا تكون هناك شيم ولا نبل ولا شرف ولا أمن ولا سلام؛ وأن عليهم أن لا يتخذوا بطانةً منهم تسيء إلى فئة أو جماعة من الأمة بغير ما أنزل الله، ولا أن يتعاونوا على الظلم ويساهموا أو يشتركوا في التجاوزات أياً يكن محل هذه المساهمة أو المشاركة، كمنع رفع الحصانة مثلاً عن من يخرج منهم على المبادئ والقيم والأخلاق، لأن عدم رفعها في مثل هذه الحالة هو بمثابة إضفاء الشرعية على الظلم والجور وقبول الفساد، وهذا يتنافى مع هوية النائب البرلماني وواجبه ومسئولياته.
وعليهم أن يدركوا في النهاية أنهم ليسوا إلا أمناء يعملون باسم الشعب ولحساب كل الشعب، وأن البرلمان من المفترض ليس إلا مركباً عائماً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الظلم والحيف والفساد، ووقف ما يمكن إيقافه من التجاوزات والخلل من أي طرف كان، وإنْ جاء ذلك من بعض أعضاء البرلمان، فإن لم يعملوا بهذا فأقل ما سيقال عنهم أنهم خانوا الأمانة ونقضوا العهد.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4520 - الخميس 22 يناير 2015م