العمالة الأجنبية السائبة إلى متى؟
علي محسن الورقاء
في العقد السابع من القرن الماضي بدأت في البحرين ظاهرة العمالة الأجنبية السائبة (أو المُسيَّبة)، أو ما تُعرف بــ «free visa»، وكانت بدايتها تسير تحت الستار، وأحياناً تتم بطرق ملتوية؛ خشية الملاحقة والعقاب الجنائي؛ لأنها ظاهرة تخالف القانون، ولأن قسم التفتيش العمالي بوزارة العمل كان آنذاك فاعلاً نشطاً، وكان العاملون فيه على درجة من الحزم والمتابعة المستمرة للقضاء على هذه الظاهرة، بيد أنه بمرور الزمن انتعشت هذه الظاهرة واتسع نطاقها لضعف الآلية الرادعة ولخمول جهاز المراقبة والتفتيش فيما بعد، وخاصة بعد أن انتقل الاختصاص بشأنها من وزارة العمل إلى هيئة تنظيم سوق العمل بموجب القانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن تنظيم سوق العمل، حتى أصبحت هذه الظاهرة اليوم ما يشبه العرف.
وما يزيد الأمر استغراباً، هو أن هناك شركات تُمنح رخصاً لعمالة أجنبية وتستلم تأشيرات لجلبهم من الخارج تحت كفالتها (بصفتها صاحب عمل) طبقاً للقانون، ثم تقوم هذه الشركات بنقل هؤلاء العمال بالجملة أو بالمفرد علناً بعد قدومهم إلى شركات أخرى تتفق معها دون تصريح رسمي، ويكون نقلهم إلى هذه الشركات إما على أساس نظام الأجر بالساعة أو بالأجر المقطوع، الذي هو بالطبع يزيد على ما يتقاضاها هؤلاء العمال، وتكون هذه الزيادة من نصيب الشركة الموردة، تحت ما يُسمى «نظام دفع العمال»، وهذا النظام ـ رغم غرابته ـ لا يختلف عن العمالة السائبة إلَّا من زاوية الإجراء وبعض القيود التي يلتزم بها العامل الأجنبي، فهو نظام باطل لا أساس له من القانون، فضلاً عن أنه يشكل خطورة بالغة على المجتمع المدني، حاله كحال العمالة السائبة، للأسباب التي سنوضحها تباعاً .
والعمالة السائبة محل البحث، وإنْ كانت تختلف عن نظام دفع العمال سابق الذكر من حيث الإجراء والقيود كما قلنا، إلّا أنها تتقاطع معه في عدة نقاط منها:
أولاً: مخالفة القانون:
فحيث أن العمالة السائبة قد نشأت تحت شعار «اشترِ حريتك»، وفيها يُحرِر الكفيل (أي صاحب العمل) العاملَ الأجنبي (المُستقدَم) من الالتزام بالعمل تحت إدارته وسلطته، ليعمل حراً طليقاً لدى أي جهة وبالطريقة التي يختارها، في مقابل أن يقوم هذا العامل بدفع مبلغ سنوي أو شهري لصاحب العمل، بما يعني في هذه الحالة أن صاحب العمل قد تخلى عن العامل، والعامل انسلخ عن كفيله (صاحب العمل) ليعمل لدى غيره، أي لدى غير المصرح له رسمياً بالعمل عنده، وفي هذه مخالفة للمادة رقم (23) من القانون رقم (19) لسنة 2006 التي جاء فيها:
(أ) «يحظر على العامل الأجنبي مزاولة أي عمل في المملكة دون صدور تصريح عمل بشأنه طبقاً لأحكام هذا القانون».
(ب) «يحظر على صاحب العمل استخدام عامل أجنبي دون صدور تصريح عمل بشأنه طبقاً لأحكام هذا القانون».
ثانياً: اتصالها بحالة الإتجار بالأشخاص:
بالتأمل إلى شعار «اشتر نفسك» الذي أشرنا إليه في الفقرة السابقة نستنتج منه أن العمالة السائبة قوامها الاتجار بالعامل الأجنبي، بجعله سلعة يتاجر بها صاحب العمل ويخضعه لقاعدة البيع والشراء والمرابحة، فهي شكل من أشكال الاتجار بالأشخاص الذي تأباه الشرائع السماوية وتُحرِّمه القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية.
ثالثاً: مخاطرها على المجتمع المدني:
من أهم آثار العمالة السائبة خطورتها على المجتمع المدني المتمثل في الآتي:
(1) مزاحمة العامل الوطني:
إذ إنه عندما يُترك للعامل الأجنبي العنان ليسرح ويمرح إلى حيثما يشاء، سيؤدي ذلك حتماً إلى منافسة ومزاحمة العامل الوطني في لقمة عيشه، وهذا ما يتعارض مع الهدف الذي يسعى إليه المُشرِّع المتمثل في حماية العامل الوطني من المنافسه، والذي من أجله استوجب استصدار تصاريح عمل للعامل الأجنبي لتنظيم العمالة الأجنبية.
(2) الخطر الأمني والاجتماعي والاقتصادي:
إن من أبرز مخاطر العمالة الأجنبية السائبة هي الخطر الأمني والاجتماعي والاقتصادي، وأساس هذا الخطر يكمن في كون العامل الأجنبي حراً طليقاً دون رقابة، فينتج عن هذه الحرية وعدم الرقابة عليه إمكانية انضوائه داخل عصابة منحرفة ضالة تهدد المجتمع في أمنه وترتكب الجرائم المخلة بالآداب العامة. وعلاوة على هذه المخاطر فقد تبين أن العمالة السائبة قد شكّلت ضرراً بالغاً على الاقتصاد الوطني بعد أن بلغت مزاحمة العامل الأجنبي السائب إلى حد مزاحمة الشركات والمؤسسات الوطنية، خاصة في قطاع الإنشاءات.
(3) الإخلال بنظام التأمين ضد مخاطر العمل:
فمن المعروف أن التأمين ضد مخاطر العمل نظام كفله قانون التأمين الاجتماعي ونص عليه بنصوص آمرة، واشترط أن يكون العامل مؤمناً عليه من قبل صاحب العمل الذي يعمل عنده باشتراكات تُدفع بانتظام، وأن تكون إصابة العمل قد حدثت في دائرة العمل لذا المؤمن.
بيد أنه في حالة العمالة السائبة ستنتفي الشروط السابقة، أو سينتفي شرط واحد منها على الأقل حتماً، وبانتفاء هذا الشرط سيمتنع على العامل الحصول على أي تعويض عندما يُصاب في العمل، فيمسي هذا العامل ـ إن لم يمت ـ عليلاً مقعداً يهدده الفقر، ويكون عالة على المجتمع والإنسانية، وهذا لا يصح في مجتمع متحضر وفي دولة تحترم قوانينها.
ومما تقدم نستخلص أن ظاهرة العمالة السائبة هي من أعظم الظواهر خطورة على المجتمع المدني، وعلى الأمن والسلم والاقتصاد الوطني.
ومن يماري في وجود هذه الظاهرة فلا بأس من عقد مناظرة، أو أنه يكفي أخذ جولة في الأسواق المركزية، وفي سوق «واقف» بمدينة حمد، وفي مواقف السيارات العامة أينما وجدت، لإثبات هذا الواقع المؤلم.
إنما يبقى لنا أخيراً أن نسأل من يهمهم الأمر... إلى متى ستبقى هذه الظاهرة قائمة، وإلى متى ستبْقَون بمنأى عنها، أم أن لكم هدفاً وغاية في تركها هكذا؟
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5089 - السبت 13 أغسطس 2016م