لكم أن تُحرِّضوا كما تريدون وعلى من تريدون ولكن بشرط
علي محسن الورقاء
منذ عشر سنوات ونيف خلت شهدنا، ولا نزال نشهد، في البحرين (على وجه الخصوص) تزايد حملات التحريض الطائفي المُتقَن والمُبوَّب بعناصره الثلاثة متكاملة، وهي: بث النعرة الطائفية، والحض على الكراهية، وزرع بذور الفتنة، وإنْ كان هذا التحريض قائماً بعناصره من قبل إنما بوتيرة أقل.
والأعجب من ذلك؛ أن نسمع أبواقاً تنطق بالعربية هنا عبر قنوات فضائية، أو من خلال بعض الصحف المحلية المُرخَّصة والأقلام المأجورة، وهي تشيع حملات التحريض الطائفي بكامل عناصره السابقة، بل والأعجب من العجب أن يصدر هذا التحريض بعناصره الثلاثة من على منابر دينية وعَبْر خُطب الجمعة والجماعة، وكأنَّ الرقابة لا شأن لها بهؤلاء، وأنّ الحجب والعقاب مرفوعان عن هؤلاء.
وإذا كنا مع الآخرين الخيرين قد تعِبنا وعَنَت نفوسنا وأصابنا النَصَبُ من بيان هذه الحقيقة والتصدي لها دون جدوى، وكأننا نُخاطب أمواتاً، وفيهم يصدق قول الله جل جلاله: «إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين» (النمل: 80)، ومع هذا يجدر بنا أن نُذكِّر فقط ببعض النصوص القانونية المتصلة بهذا الموضوع، لعل الذكرى تنفع المؤمنين:
- «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تجاوز مئتي دينار ........ من حرّض بطريق العلانية على بغض طائفة من الناس، أو على الازدراء بها». (المادة رقم 172 من قانون العقوبات).
- «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز مئة دينار من تعدى بإحدى طرق العلانية على إحدى الملل المعترف بها أو حقَّر من شعائرها» (المادة رقم 309 من قانون العقوبات).
- «يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة: من أهان علناً رمزاً أو شخصاً يكون موضع تمجيد أو تقديس لدى أهل ملة، أو قلد علناً نسكاً أو حفلاً دينينّاً بقصد السخرية منه». (المادة رقم 310 من قانون العقوبات).
وبعد كل ما تقدم؛ نقول لكل من اعتاد التحريض، ولمن غلبت عليه شهوة الكراهية، لكم أن تُحرِّضوا كما تريدون وعلى من تريدون، ولكن بشرط:
أولاً - ألا تُبنوا هذا التحريض على الكذب والدجل والتضليل، وألا تفتروا على الناس بغير ما اكتسبوا، فالله جل جلاله يقول: «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً» (الأحزاب: 58)، «ومن كسب خطيئة أو إثماً ثم يرمي به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً» (النساء:112)، ومن أظلمُ ممن افترى على الله الكذب وهو يُدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين» (الصف: 7).
ثانياً - ألا تزكوا أنفسكم وأنسابكم أو رهطكم، وألا تفاضلوا بها على الغير، فالله جل جلاله يُزكي من يشاء.
ثالثاً - ألا تقولوا بغير ما تفعلون، أَمَا علمتم أن الله جل جلاله يقول: «يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» (الصف: 3).
رابعاً - ألا تزيغ قلوبكم عن إدراك أن الحكم والجاه قد يدومان بالكفر ولن يدوما بالبغي والظلم، ذلك هو وعد الله جل جلاله إذ يقول «والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون» (الشورى:39)، وليس هناك أصدق من الله وعداً.
وألا يغرَّنكم رفعة مقامكم وعلو شأنكم، وهناك إعلان من الله سبحانه إذ يقول: «إنما نبلوكم بالشر والخير فتنة» (الأنبياء: 35).
وألا تأمنوا مكر ربكم، وفي هذا إنذار وتحذير من الله جل جلاله حيث يقول سبحانه «أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون» (النحل:45).
خامساً - إنّ الذين يستمعون إلى المحرضين والمفتنين ويتأثرون بهم ويشايعونهم، نقول لهم؛ عليكم أن تتحققوا أولاً، ولا تكونوا كالأنعام التي لها قلوب لا يفقهون بها، إعمالاً لقوله سبحانه «يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبينوا أن تُصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» (الحجرات: 6).
وأخيراً ندعو كل من يعنيه الأمر إلى حيث أمر الله جل جلاله في كتابه الكريم «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم» (الأحزاب:71).
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5092 - الثلثاء 16 أغسطس 2016م